دعوة للسلام والعدالة والتضامن من أجل السودان (15/4/2024)

نفجع اليوم بمرور عام على بداية حرب 15 أبريل المروعة في السودان، صراع لا يمكننا تجاهل مآلاته الكارثية: أكثر من 8.1 مليون نازح، أكثر من 12 ألف مدني أزهقت حياتهم بلا رحمة، وما يزيد على الـ 33 ألف جريح. لم تعطل هذه الأزمة الحيوات فحسب، بل كشفت عن القمع الممنهج الذي كان موجود مسبقاً. النساء، الفتيات، الأطفال، وبشكلٍ فاضح مجتمع الميم عين، تحملوا وطأة أعمال العنف.

تظل معاناتنا دلالة واضحة على الهياكل الأبوية، والغيرية التي ما فتئت تهمشنا وتخرسنا.إذ تظل هذه الحرب احدى تمظهرات النزاعات السياسية والإقتصادية، هي بالتأكيد انعكاس قوي للحرب الدائرة ضد الوكالة الجنسية، والإستقلالية الجسدية والجندرية، والحرية.

أفراد مجتمع الميم عين يمرون بواقع عدائي في الأصل، بسبب تجريم التنوع الجنسي والجندري في القانون الجنائي السوداني لعام 1991، المدعوم بالكراهية المجتمعية الكبيرة التي تستهدف أفراد المجتمع.

بعد الحرب وجد أفراد مجتمع الميم عين في السودان أنفسهم معرضين للخطر، ووجودهم/ن صار مهدداً أكثر، إما بسبب تأثيرات الحرب المباشرة على سلامتهمن، أو بسبب الخطاب المعادي والكاره للمثلية والعبور الجنسي والجندري تحت ستار القومية الصاعد في أوقات الحروب.

صمود مجتمع الميم عين، الذي وثقته منظماتنا، يتخطى مفاهيم النجاة، ليكون برهاناً عازماً على المقاومة والتحدي.

كما تصدر مجتمع الميم عين الثورة في السودان وكان ضلعاً مهماً فيها في الفترة من 2018 إلى 2019. تستمر مجتمعات التعدديات الجنسية و الجندرية السودانية في الكفاح والقتال من أجل حقوقها حتى في خضم الفوضى وليدة النزاع، مجسدة جوهر القيم الثورية المتمثلة في الحرية، السلام، والعدالة.

يعيش المجتمع معاناةً مزدوجة، فبالإضافة لتعرضه المباشر لتهديدات النزاع وشبح الحرب ككل السودانيين والسودانيات، لكنه ما زال يواجه تحديات خاصة ومعقدة، بالتحديد من القوى الإجتماعية التي تسعى لمحو وجوده.

كذلك تسلط قصص مجتمع الميم عين السوداني تقاطعيات أكثر خصوصية على معاناة الفقد، والتهجير، والاستبسال، مع السعي الدؤوب للظهور والحرية، ناسجين/ات لأرواحهمن القوية جزءاً من الرواية الكاملة لمعركة المجتمع السوداني من أجل العدالة والمساواة.

في هذه اللحظة، نحتاج إلى رفع أصواتنا بشكل أعلى، مطالبين بمستقبلٍ لا يقتصر فقط على وقف الدماء بل يقوم بتفكيك الأنظمة القمعية التي ساهمت في نشوء هذه الصراعات. عليه، مطالبنا واضحة:

1-  وقفٌ فوري للعدائيات، مع إدراكنا أن السلام لا يعني غيابٌ للحرب فقط وإنما يعني وجود للعدالة.

2-  القضاء على جميع القوانين والقيم الإجتماعية التي تميز ضد مجتمع الميم عين، محاربين الأسس الأبوية والغيرية التي تغذي مثل هذه السياسات.

3-  إدماج فعّال ومؤثر لأصوات مجتمع الميم عين في جهود بناء السلام، مؤكدين أن السلام الحقيقي لا يمكن تحقيقه بلا تفكيكٍ للتراتيبة الجندرية المنحازة التي تؤسس للصراعات الإجتماعية.

4- إدماج حقيقي لأصوات وتجارب مجتمع الميم عين في جميع جوانب تصميم وتنفيذ الإستجابة الإنسانية في السودان.

5- حرية الوصول إلى دعم طبي كامل، يشمل تأكيد النوع الإجتماعي للأشخاص العابرين/ات جنسياً وجميع أفراد مجتمع الميم عين، واضعين في الإعتبار أن الرعاية الصحية حقٌ إنساني أساسي.

6- دعمٌ دولي وإقليمي مفصلٌ لحِراك مجتمع الميم عين في السودان، مع الإعتراف والإدراك الحقيقيين لمعاناتنا كجزء من النضال العالمي ضد الطغيان.

7- تعزيز التوثيق والبحث لتسليط الضوء على الإحتياجات والتحديات الخاصة لمجتمع الميم عين السوداني، لنضمن أن أصواتنا مسموعة وتجاربنا غير ممحوة بل وبنائها لدعم أقراننا من المجتمع.

8- على جميع الحركات النسوية والتحررية الإعتراف بنضالات مجتمع الميم عين السوداني كأولوية في بياناتها وخطاباتها السياسية، اعترافا بجوهرية وجود حقوق مجتمع الميم في العدسة التقاطعية. 

نقف متحدين، لا ننادي بوقف العنف فحسب، وإنما ننادي بإعادة تصورٍ جذريٍّ للمجتمع السوداني. يكون فيه وطننا مكاناً يستطيع فيه الجميع، بغض النظر عن الجنس أو التوجه الجنسي أو أي هوية أخرى، العيش، وليس النجاة فقط.

مكاناً يعيش فيه الجميع غير مكبلين بأصفاد الخوف والقمع، وتكون فيه مبادئ النسوية والمساواة والحرية والتضامن مُثُلاً واقعية يعيش تحت كنفها الكل.

متحدين في مقاومتنا ضد الأبوية ورهاب المثلية والإمبريالية والاستعمار الجديد، نحن كمثليين/ات وعابرين/ات في السودان مع حلفائنا الإقليميين، نقف بثبات وتصميم ضد آليات القوى العالمية التي تستمر في تأجيج الصراع وتجذير الإضطهاد.

معًا، نناصرُ مستقبلاً يسود فيه السلام والسيادة الحرة، تحَدِدُ فيه أصواتُ المحرومين/ات مصائِرهمن، بعيداً عن ظلال التدخل الأجنبي والأنظمة الدولية المصَمَمة لإهمالنا وتجاهلنا وإسكاتنا. جهودنا المشتركة تتجاوز الحدود الجغرافية، وتتحدى وتواجه القوى التي ترمي إلى تقسيمنا، من السودان إلى فلسطين وما ورائهما.