الظهور كجريمة على أي حال
الظهور كجريمة على أي حال: سوزي، التيكتوكرز، ونحن
الظهور… أن نطل عبر الشاشات، في الحانات والمقاهي والشوارع والبيوت، في مجموعة لا نهائية من الحركات.
لو رسمنا صورة خيالية له، سيبدو عفويًا وشخصيًا، يختلف من شخص لآخر، كجزء من اختلافاتنا!
لكن المجتمعات والأنظمة لا تفضل ذلك. هي تفضل الحذر، وتوجه دعوة دائمة لضبط تلقائية الظهور… وإلا سنتعرض للعقاب.
بعد اعتذارها عشرات المرات "لأي حد ممكن يضايق" من سلوكيات سابقة قيل إنها تسيء للمجتمع، وبعد خضوعها للكثير من الأكواد الاجتماعية وتطوير لغتها، ما زالت سوزي الأردنية طالبة الثانوية العامة البالغة ١٩ عامًا تُتهم بهدم قيم الأسرة المصرية، بل وغسل ١٥ مليون جنيه مصري.
المجتمع المصري لا يريد تطورها في حد ذاته. يعادي تدرجها وكسبها للمال. وسوزي، مثل كثير من النساء في مصر والوطن العربي، تعيش تحت نظام أبوي سياسي اجتماعي يفرض عليهن حدودًا لتراكم الثروة والحق في الظهور والتعبير عن أنفسهن.
ومع الحملة الأمنية الحالية على صناع المحتوى في تيك توك، وحملة الكراهية والاحتفال بحبس "أي حد يضايق المجتمع"، لنعد قليلًا إلى عام ٢٠٢٠، إلى الموجة الاولى من ما عُرف بقضية فتيات التيك توك: حنين حسام ومودة الأدهم وغيرهن من المجهولات القابعات في السجون فقط لأنهن تجاوزن الحدود.
في يوليو ٢٠٢٠، حكمت المحكمة الاقتصادية بسجن حنين ومودة سنتين بتهمة "انتهاك قيم ومبادئ الأسرة المصرية". وفي يناير ٢٠٢١، قضت محكمة الاستئناف ببراءتهن، دون أي تعويض عن الأضرار التي تعرضن لها، وسط رفض مجتمعي واسع لحكم البراءة.
وفي يونيو ٢٠٢١، بقيادة المحامي أشرف فرحات صاحب مبادرة "خليها تنضف"، قُدّم ١٨ بلاغًا للجهات الأمنية ضد مودة وحنين ونساء أخريات. خلال شهر ونصف فقط، صدرت أحكام بالسجن من ٣ إلى ١٠ سنوات، مع غرامة ٢٠٠ ألف جنيه. تطورت التهم من أخلاقية مطاطة إلى اتهامات جنائية: "الاتجار بالبشر" و"استغلال فتيات قاصرات لأهداف مشبوهة"، في عملية ردع نهائي.
اليوم، مودة وحنين في السجون بتهمة الاتجار بالبشر، وسوزي تواجه تهمة غسيل الأموال.
لأن تهم الأخلاق مطاطة ويصعب بها تحقيق الردع الأقصى، تُدبّر تهم جنائية بلا أدلة.
فهل دعوات الفتيات لتحميل تطبيق مصرح به في مصر تُعتبر جريمة في حد ذاتها؟ أم أن تهمة "الاتجار بالبشر" كانت مجرد أداة انتقام؟
وهل كسب سوزي ملايين الجنيهات من أرباح تيك توك يعد غسيل أموال؟ التطبيق ما زال متاحًا، ويحقق أرباحًا لمستخدميه. أين الجريمة إذن؟ في أن تراكم النساء الثروات؟
إتاحة التطبيقات وعدم حجبها من المفترض أن يجعل استخدامها قانونيًا، لكن القانونية هنا تنتهي حين يقرر المجتمع استهداف مجموعة بعينها.
أرى انعكاس سوزي في ما نعيشه كأفراد من مجتمع الميم.ع+ في مصر. نمشي على أشواك، لأن المجتمع لا يريد تعبيرات حقيقية، حرة، وصادقة عن النفس. يغضب من الظهور الحر للنساء والأشخاص ذوي الهويات المتعددة، فيجبرنا على البقاء في حدود خفية، في الظل، كما الجميع.
مرحبًا في عالم الكراهية الممتد الذي يبتلعنا جميعًا بين لحظة وأخرى. وتهانينا للمحتفلين اليوم؛ من معصوم من الخطأ وعقاب المجتمع، لا أعلم.
هل سنعيش يومًا في عالم يتسع لتعبيراتنا جميعًا، نحب ولا نحب بعضنا دون أن يعني ذلك أن من لا أحب مستحق بالضرورة للسجن؟