عبر الحدود: بيني!

أدركت ضرورة المغادرة عندما لفتني لبداهة ماثلة أمامي صديق سوري يلجأ الآن في إحدى الدول الأوروبية بأن هذه الحرب لن تنتهي بسرعة تسمح بانتظارها تضع أوزارها لاستأنف حياتي، قال أنه يجب عليّ أن أفر إلى مصر قبل أن تُغلق الحدود. هو يعرف معنى الحرب، لقد عاشها. كان كلامه بمثابة صفعة، مشفقة علي من مآلات أسوأ تعقب الإنكار وعدم التصديق لكنها مت زالت صفعة، دفعتني لأترك كل شيء خلفي وأبحث عن النجاة شمالاّ. لم أكن أخشى كشف هويتي الكويرية، بقدر ما كنت أخشى الاختناق. في رحلة طويلة وشاقة، تنازلت عن مظهري الذي اعتدت في سني الثورة، ارتديت عباءة سوداء، متمنيًا ألا أتعرض للتمييز لكنني لم أطق الاختناق فانسدلت على كتفي طرحة لم أقو على لفها بإحكام.

عند وصولي إلى مصر، أصبحت هويتي الأساسية  "لاجئ". أصبحت أبحث عن أوراق رسمية، وأخاف من مطابقتها مع شخصي. في البداية، كنت أريد أن أدس نفسي في الأعماق نفسي بالمجمل وليس جنسانيتي، أن أدفن هويتي في مكان عميق من ذاكرتي لا يمكنني أننا نفسي الوصول إليه،  لم أستخدم ضميري لوصف نفسي حتى في محادثاتي الداخلي. كنت أحاول أن أدفن جزءًا من ذاتي خوفًا من المجهول، عندما قابلت صديقتي ك. ذكّرتني برحلتي نحوي، وأيقظت في داخلي احساس الأحقية أن أكون أنا، هنا والآن.

أشعر بالإحباط. ثورة ديسمبر في السودان، كنت أرتدي شريطًا صغيرًا بألوان علم قوس قزح، رمزًا لثورتي الخاصة داخل الثورة الأكبر. هنا، لا توجد ثورة، ولا يوجد علم، ولا حتى "أنا" الذي كنت عليه. أحاول التأقلم بزيارة طبيب نفسي أحيانًا، ألازم أصدقائي كثيرًا، لكنني أفتقد وجودي الخاص والمستقل، بسبب غياب الفضاءات التي أستطيع فيها تحقيق ذاتي بشكل كامل.

لا أريد أن أرسل رسالة إلى العالم. العالم الذي يرى غزة تُباد أمام ناظريه، ويرى الكويريين ينشرون قصصهم تحت القصف، فيغسل سمعة "جيش الدفاع النازي" بالأعلام الملونة، لن يهتم بقصتي إلا إذا عرضت نفسي كشخص يبحث عن الانضمام إليه. أنا لا أريد أن أغادر. أريد أن أكون أنا، هنا والآن، حتى لو كان هذا صعب التحقيق. أريد أن أبقى هنا، وأن أعمل من أجل واقع أفضل، وآمل أن يدعم الحلفاء، أو من يزعمون أنهم كذلك، هذا التوجه. إن هذا النص هو صرخة للشد على أيدي الآخرين الذين فقدوا ذواتهم بين المعابر والحدود. قد لا نكون الأكثر تعرضًا للظلم في حرب دمرت الجميع، لكننا ما زلنا مهمين، و جديرين بأن تُسمع أصواتنا. السلام للجميع. حققوا السلام، حتى نستأنف بناء سلامنا الخاص.

Media Mesahat