الموت في الظل: حرب الخامس عشر من أبريل في السودان
إن نضال مجتمعات التعدد الجنسي والجندري في السودان جزء لا يتجزأ من نضال الشعب السوداني بأكمله من أجل الكرامة والحرية. لكنه نضال يواجه عقبات إضافية تتطلب اهتمام خاص وتضامن لا مشروط. بالعموم لا يمكن أن تكون حقوق الإنسان انتقائية، وبالخصوص فلا يمكن تجاهل معاناة فئة ما لأنها غير مريحة للحديث عنها، بالذات لمن يملكون امتياز التضامن في ظل تصاعد مناخ عام يميني محافظ سياسيًا واجتماعيًا يرى في قضايا الهويات والتعدد خطرًا مرتبطًا بالتدخلات الخارجية والعمالة والتجسس عبرها. الآن، أكثر من أي وقت مضى، يجب أن تُسمع هذه الأصوات وأن يتم التأكيد على كونها سودانيّة ولو تلقت الدعم والاعتراف من الحلفاء حول العالم.
قبل البدء بالسرد وفي ظل غياب كبير للاحصاءات والتقارير عن الوضع من الأرض في السودان ما ليس منه بد هو أن الحرب في السودان خلقت هشاشة مضاعفة في سياق العداء التاريخي فقبل الحرب كانت مجتمعات التعدد الجنسي والجندري في السودان تعيش بالفعل في ظل قوانين تمييزيّة وضغوط اجتماعية كبيرة. القانون الجنائي السوداني لعام 1991 والساري ليومنا هذا، حتى بعد بعض الإصلاحات التي أقرّتها ثورة ديسمبر 2018، لا يزال يجرّم ويعاقب المثلية، مما يفرض السرية والخوف من الملاحقة القضائية والوصم الاجتماعي. هذه الهشاشة المسبقة خلقت وضعاً شديد الخطورة عند اندلاع الحرب التي بدّدت التجانس العضوي الذي تم تحقيقه في هكذا أوضاع. في ظل الفوضى، تلاشت أي شبكات دعم أو ملاجئ غير رسمية كانت موجودة. العديد منّا فقدوا منازلهم، وأصدقائهم، وأي مصادر للدخل، مما تركنا بلا حماية. في مواجهة خطر الاستغلال. الانتهاكات غير موثقة بشكل كافٍ بسبب الخوف من الإبلاغ عنها. التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة "أوت رايت إنترناشونال"، تشير إلى وجود حوادث عنف مروعة، لكن الأرقام الفعلية تظل مجهولة. يخشى الناجون من الإبلاغ عن الانتهاكات خشية "فضح" هويتهم الجنسية أو الجندرية، مما قد يؤدي إلى مزيد من العنف أو النبذ من قبل السلطات أو مقدمي المساعدة الإنسانية. الوصول إلى الخدمات الأساسية يكاد يكون مستحيلاً. الأمن الشخصي على سبيل المثال مهدّد حيث يمثل السكن الآمن تحديًا هائلاً. عبر عملها البحثي لامست مساحات الهشاشة المصاحبة لفقدان الحق في الوصول لسكن آمن على اللاجئين السودانيين حيث برز ارتباط شرطي بين خيارات الإيواء كخدمة اغاثية وبين العنف ، الأفراد الذين يضطرون إلى الإقامة في مساكن جماعية أو مخيمات يواجهون خطرًا دائمًا. يتم استهدافهم بالتحرش والاعتداءات اللفظية والجسدية، مما يجعلهم يعيشون في حالة تأهب دائمة. فيما يتعلّق بالصحة فتدريب العاملين الصحيين في سياق طوارئ حرب ال15 من ابريل لا يشمل الصحة العضوية او النفسية لأفراد على التعامل مع مجتمعات التعدد الجنسي والجندري، مما قد يؤدي إلى سوء المعاملة أو الإهمال المتعمد، بينما انقطعت سلاسل التوريد غير الرسمية للادوية الهرمونية ومعينات الاجهاض وفحوصات الامراض المنقولة جنسيا السريعة القابلة للاستخدام المنزلي وتقتصر الخدمات المتعلقة بالعنف الجنسي على معياري الجنس والنوع الاجتماعي من النساء المولودات كإناث والأخيرة كذلك شحيحة للغاية.
مع تزايد أعداد الفارين من السودان من العنف أو نحو عيش كريم، يواجه أفراد مجتمعات التعدد الجنسي والجندري مخاطر إضافية على الحدود. عند الهروب إلى دول مجاورة مثل مصر أو إثيوبيا، يواجهون صعوبات في إثبات هويتهم وتبرير طلبات اللجوء، لا سيما أن هوياتهم لا تتوافق مع التوقعات الاجتماعية، مما يجعلهم عرضة للابتزاز والتهديد. قصص الناجين التي تم تداولها عبر الإنترنت، وإن كانت قليلة، تروي حكايات عن استغلال جنسي وابتزاز مالي في محطات النزوح والتهريب. يصبح الأفراد محاصرين بين جحيم الحرب في وطنهم، وخطر الاستغلال في رحلة الهروب، وغياب الأمان في البلدان التي يطلبون فيها اللجوء.
نحو إدماج حقيقي يجب على المناصرين فهم كون التحديات التي تواجهها هذه المجتمعات ليست مجرد انعكاس للحرب، بل هي نتيجة لتفاعل معقد بين الصراع الحالي والتمييز التاريخي. استمالة نظر المناصرين لحقوق الإنسان تتطلب جهوداً واعية لكسر حاجز الصمت والإنكار. في ظل غياب الوصول لبيانات دقيقة وتعقيدات البنية الاجتماعية الاقتصادية الجارية نطالب بتكثيف المجهودات في:
التوثيق والبحث: جهود توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها أفراد مجتمعات التعدد الجنسي والجندري، مع توفير طرق آمنة وسرية للإبلاغ.
إدماج في الاستجابة الإنسانية: يجب على المنظمات الإغاثية أن تدمج احتياجات هذه المجتمعات بشكل صريح في برامجها. هذا يشمل توفير مآوٍ آمنة، وتدريب الموظفين على كيفية التعامل بكرامة واحترام، وضمان الوصول إلى الخدمات دون خوف.
رفع الوعي والدفاع: على المناصرين استخدام منصاتهم لتسليط الضوء على هذه الأزمة المنسية وقتما برزت ملامح هذه الأفعال التمييزية مثلما حدث في واقعة رابحة وهي/هو/هم سودانيون تعرّضوا لاستجواب تم مشاركته على تيك توك بخصوص نوعهم الاجتماعي فأجابوا: "أنا الله خلقني كدا". كل صوت وكل قصة تساهم في كسر الصمت، وتذكر العالم بأن أزمة السودان لا تقتصر على الانتهاكات التي نراها، بل تمتد إلى الفئات الأكثر تهميشًا التي تواجه الموت في الظل.