نانسي العقيد تكتب: المجتمعات الكويرية وسط جائحتين


أحيى العالم في نهاية العام الماضي اليوم العالميَّ للإيدز - والّذي يوافق الأوّل من ديسمبر/كانون الأوّل - وسط جائحةٍ جديدةٍ تحصدُ الأرواح يوميًّا، ولا تفرِّق بين مُواطن دول العالم الأوّل أو الثّالث؛ ومع ظهور جائحة فيروس كورونا المستجدّ - كوفيد 19- بدأ الخوف ينتشر بين المتعايشين/ات مع فيروس العوز المناعيّ البشريّ HIV ومتلازمة نقص المناعة المكتسبة AIDS من العدوى الجديدة، كون أنظِمتهم/ن المناعيّة تحت تأثير الفيروس المذكور، ورغم عدم إدراجهم/ن رسميًّا ضمن الفئات الأكثر خطورةً (بشرط الحصول على العلاج بصفةٍ مستمرّةٍ وعدم وجود أمراضٍ مزمنةٍ أخرى مثل السّكري وارتفاع ضغط الدّم)، إلّا أنّ الكلّ تساءل... هل كافّة المتعايشين/ات معرّضون/ات لنفس درجة الأمان أو تحت نفس التّهديد؟!

الوضع الحالي للمتعايشين/ات:

تفيد بيانات منظّمة الصّحّة العالميّة أنّ عدد المتعايشين/ات مع فيروس العوز المناعيّ البشريّ HIV بلغ 38 مليون شخصٍ تقريبًا عام 2019، يتلقّى منهم/نّ 23.3 مليون شخصٍ العلاج بصفةٍ منتظمةٍ، ممّا يعني أنّ هنالكَ 14.7 مليون لا يحصلون/ن على ما يلزم للحدّ من انتشاره وتقوية أجهزتهم/ن المناعيّة بما يكفي لمواجهة خطر أي عدوى جديدة، بما في ذلك فيروس كورونا المستجدّ (كوفيد 19).

ومع انتشار فيروس كورونا المستجدّ وما ارتبط به من حظرٍ للطيران وإجراءات الغلق الجزئيّ في العالم كلّه، عانى/ت بعض المتعايشين/ات في الوصول إلى العلاج المجانيّ الّذي يتمّ صرفه كجزءٍ من البرنامج العالميّ لمكافحة الإيدز.

حقيقة خطر الجائحة الجديدة على المتعايشين/ات:

تقول منظّمة الصّحّة العالميّة أنّ خطر الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ عند المتعايشين/ات لا يقلّ أو يزيد عنه عند المعافين/ات منه، ولكنّها تحذّر أيضًا أنّ هذا مرتبطٌ بحصول المتعايش/ة على العلاج اللّازم بصفةٍ مستمرّةٍ، كذلك الحرص على ممارسة عاداتٍ صحّيّةٍ من ممارسة الرّياضة وتجنُّب الكحوليّات والتّدخين والأطعمة السّريعة؛ وأيضًا نوّهت المنظّمة أنّ حال إصابة المتعايش/ة بالفيروس المستجدّ، قد ت/يعاني من أعراضٍ جانبيّةٍ للفيروس أكثر شدّةً، ولكن لا يزيد معدّلُ الوفاة بين المتعايشين/ات، مجدّدًا شريطةَ حصولهم/نّ على العلاج اللّازم.

إلّا أنّه صدرت دراسةٌ روسيّةٌ تفيدُ بأنّ نسبة الإصابة تتضاعف أربعَ مرّاتٍ عند المتعايشين/ات، ولكنّ نسبة الشّفاء أو الوفاة لا تختلفُ عن مثيلتها في المعافين/ات منه، شريطة حصول المتعايش/ة على العلاج اللّازم ووصول نسبة فيروس العوز المناعيّ البشريّ إلى نسبة/حالة غير القابل للكشف (الحمل الفيروسيّ أقلّ من أن يسبّب أعراضًا أو مشاكل بالجهاز المناعيّ).

وضع بعض المتعايشين/ات في مصر وسط الجائحة:

لا يمكن الحديث عن أمرٍ بمثل هذه الحساسية بدون حديثٍ مباشرٍ مع متعايشين/ات مع فيروس العوز المناعيّ البشريّ الّذين/الّواتي أصابهم/نّ فيروس كورونا المستجدّ، لمحاولة الوقوف على حقيقة الوضع في مصر...

تمّ سؤالهم/نّ عن قدرتهم/ن على الوصول للعلاج المجانيّ، وشدّة الأعراض عند الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ، ورحلاتهم/نّ مع العلاج منه... اشترك/ت المتعايشون/ات الثّلاث/ة في وصف مشاعر الرّعب الّتي انتابتهم/نّ مع بدء انتشار الأخبار عن دخول وباءٍ جديدٍ لمصر، ومع كمّ الشّائعات الهائل على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، والتّخبُّط والتّناقض في المعلومات الّتي تصدر من المجتمع الطّبيّ، وجد/ت المتعايشون/ات أنفسهم/ن في مواجهةِ توهانٍ وعدم قدرةٍ على التّأكّد من مصائرهم/ن في ظلّ هذه الظّروف العصيبة.

اطمأنّ/ت المتعايشون/ات الثلاث/ة فيما يخصّ الحصول على علاج فيروس العوز المناعيّ البشريّ في بداية الجائحة حيث قامت المستشفيات المعنيّةُ بصرف جرعاتٍ علاجيّةٍ تكفيهم/ن شهرين - عكس المُعتاد بصرف جرعاتٍ تكفي شهرًا واحدًا فقط - حِرصًا على تجنُّب الاختلاط، نظرًا لكَون مستشفيات علاج فيروس العوز المناعيّ البشريّ هي نفسها مستشفيات فحص وعزل المُصابين/ات بفيروس كورونا المستجدّ. إلّا أنّ تلك الرّاحة لم تستمرّ، فقد عانوا/ينَ لاحقًا في شهور الصّيف من الانتظار لساعاتٍ طويلةٍ لحين وصول جرعاتهم/نّ، وأحيانًا طُلبت العودة لاحقًا سواءً بعد ساعاتٍ أو اليوم التّالي، لحين وصول العبوّات من مخازن وزارة الصّحّة، وتكرّر الأمر في ثلاث مستشفياتٍ مختلفةٍ بالقاهرة والجيزة والإسكندريّة.

عانى/ت أيضًا المتعايشون/ات الثّلاث/ة من الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ في فتراتٍ مُتفاوتةٍ، فمنهم/ن من أُصيبَ/ت به قبل ذروة الانتشار ومنهم/ن من أُصيب/ت به في ذروة انتشارِه، لجأ/ت اثنان/تان للعزل المنزليّ وواحد/ةٌ فقط للعزلِ بإحدى مستشفيات العزل... في حالتين من الثّلاث كانت الأعراض خفيفةً ولا تختلفُ عن البرد أو الإنفلونزا الموسميّة سِوى في طول مدّة العدوى وشدّة الأعراض، إضافةً إلى فقدان حاسّتيّ الشّمّ والتّذوُّق تمامًا، أمّا الحالة الثّالثة فتطلّبت العزل بإحدى المستشفيات نظرًا لوجود عامل خطورةٍ غير التّعايش مع فيروس العوز المناعيّ البشريّ.

حرص كلّ من الحالتين الأولَتين منذ بداية ظهور الأعراض على العزل التّامّ عن كافّة أفراد الأسرة، واللّجوء إلى نصيحةٍ طبّيّةٍ فيما يخصُّ الفحوصات المطلوب إجراؤها والأدوية الّتي يجب الحصول عليها لإتمامِ العلاج منزليًّا، مع الرّفض التّامّ للتّوجُّه إلى أيّ مستشفى عزلٍ خوفًا من الوصم المجتمعيّ أو رفض المستشفى الاستقبال والعلاج كونهما متعايشَتَين مع فيروس العوز المناعيّ البشريّ. إلّا أنّ مدّة العلاج في كلتيّ الحالَتين لم تزِد عن الأسبوعَين، وبدأت الأعراض بالاختفاء تدريجيًّا مع نهاية الأسبوع الأوّل، ومع إجراء كافّة الفحوصات بعد أسبوعين تأكّد تعافيهما من المرض، مع الاحتفاظ بحالتهما فيما يخصّ فيروس العوز المناعيّ البشريّ (غير قابل للكشف – Undetectable).

كانت الحالة الثّالثة الوحيدة الّتي احتاجت للبقاءِ بمستشفى للعزل، نظرًا لشدّة الأعراض ونتائج الفُحوصات الّتي تطلّبتِ العزل، نظرًا لوجود سببٍ آخرَ يضعها ضمن الفئات الخطيرة، وقد اختارت إيضاح حالتها بالتّعايش مع فيروس العوز المناعيّ البشريّ للطّبيب المُعالج أثناء شرح التّاريخ المرضيّ. طلب/ت المتعايش/ة من الطبيب/ة المُعالج/ة عدم الإدلاء بما يدلّ على حالة التّعايش على الملف الطبيّ كونه/ا تحصل على العلاج باستمرارٍ وي/تحافظ على حالة "غير قابل للكشف" منذ سنوات، وهذا ما حدث. وأثناء البقاء في مستشفى العزل حرِص/ت على الحصول على أدوية العوز المناعيّ البشريّ بجانب العلاج الخاصّ بفيروس كورونا المستجدّ، وظهرت نتيجة المسحة سلبيةً قبل انتهاء أسبوعَين من بداية ظهور الأعراض!

ت/يشترك المتعايشون/ات الثلاث/ة في وصف حالة الخوف والفزع الّتي انتابتهم/ن لدى بدء انتشار الوباء في مصر، ويشتركو/ن أيضًا في حالة الطّمأنينة حاليًّا بعد نجاتهم/نّ منه ووصف التّجربة بأنّها لم تستحقّ الرّعب الّذي عاشوه/عِشنهُ قبلها، ويشتركو/ن أيضًا في الحرصِ على تلقّي العلاج باستمرارٍ للبقاء في حالة غير القابل للكشف.


اقرأ أكثر:

Mesahat Foundation