فينوس يكتب: أبنك محروق يا حج


فينوس الـ Workaholic(مدمن عمل).

أثناء دردشةٍ خفيفةٍ بسيطةٍ مع إحدى زميلات العمل عمّا أقوم به في يومي أثناء فترةٍ ما من حياتي، كنتُ خلالها مُتمركزًا حول العمل فقط ولم أُعِر انتباهًا كبيرًا لأيّ شيءٍ خارج إطارِه، غادرَت شفتاها كلماتٌ لم أكُن أعلم أنّها ستكون ذات تأثيرٍ عالٍ على مفاهيمي عن نفسي....

"فينوس، انت Workaholic".

قالتها لتصفَ حالي في ذلك الوقت من وجهة نظرِها؛ ومع خوفي التّام وقتها من كوني شخصًا قد يصطدم بالفشل على الصّعيد المِهنيّ، ارتديتُ ذلك الوصف كشارة فخرٍ على صدري.

فإنّ الثّقافة الدّارجة الّتي تُطبّع إلزاميّة الأفراد بتحقيق ذواتهنّ/م طِبقًا لطرقٍ وشروطٍ معيّنةٍ معظمُها مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بإنتاجيّة الأفراد كالآلات، تعيدُ ترتيب أولويّاتهنّ/م؛ فنجد أنّ طِبقًا لهذِه الثّقافة ترتفع أولويّات إنتاجنا للعمل وكسب الرّزق عن أولويّات العناية والاهتمام بأنفُسنا جسديًّا ونفسيًّا، وتحصرُ تلك الأفكار شعورنا بالإنجاز والفخر فقط في قيامنا بتتبُّع خطواتِها الضّيّقة والمحدودة لما يُعدُّ إنجازًا يستحقُّ الاحتفاء به.

ما في الأمر هو أنّني لم أكن أعلم وقتها أنّها مسألة شهورٍ حتى أصطدم بجملةٍ أخرى من تلك الزّميلة حينما بدأتُ بإخبارها عن حالتي غير السّارّة تمامًا...

"فينوس، انت محتاج تريّح، أظنّ إنّك Burnt out".

وعليهِ، في السّطور القادمة نعرض لكنّ/م ما ظهر لفينوس من معرفةٍ عن الاحتراق الذّاتيّ، وفهم المرحلة الّتي يمرُّ بها.

أ ب احتراق ذاتي

مصطلح "الاحتراق الذّاتي / Burnout" هو مصطلحٌ جديدٌ نسبيًّا، صاغه هربرت فرودنبرجر لأوّل مرّة في عام 1974 في إحدى كُتبه واصفًا إيّاه بـ"التّكلفة العالية للإنجاز العالي". لقد عرّف الاحتراق الذّاتيّ في الأصل على أنّه "اختفاء الدّافع أو الحافز، أو عندما يفشل تفاني المرء في تحقيق النّتائج المرجوّة".

الاحتراق الذاتي هو حالة من الإرهاق العاطفيّ والجسديّ والعقليّ النّاجم عن الإجهاد المُفرط والمُطوّل، ينتجُ عن مرور فترةٍ من الاستنزاف وعدم القدرةِ على تلبية المطالبِ المستمرّة. ومع استمرار التّوتّر المُسبّب لهذا الاحتراق الذّاتيّ، تبدأُ/ين في فقدان الاهتمام والحافز الّذي دفعك إلى القيام بدورٍ مُعيّنٍ في المقام الأوّل.

يُقلّل الاحتراق الذّاتيّ من الإنتاجيّة ويسلبُ طاقتك، مما يجعلك تشعر بالعجز المتزايد واليأس والإحباط والاستياء؛ في النهاية، قد تشعر/ي أنّه ليس لديك المزيد لتقدّمه/يه. تمتدُّ الآثار السّلبيّة للاحتراق الذّاتيّ إلى كلِّ مجالٍ من مجالات الحياة، بما في ذلك منزلك وعملك وحياتك الاجتماعيّة.

يمكن أن يأتيَ الضّغط الّذي يساهم في الاحتراق الذّاتيّ بشكلٍ أساسيٍّ من وظيفتك، ولكن أيضًا يمكن أن يحدث بسبب الضّغط النّاجم عن نمط الحياة العامّ؛ ويمكنُ أن يزيدَ من هذا الضّغط سمات الشّخصية وأنماط التّفكير، مثل الكماليّة"Perfectionism" والتّشاؤميّة "Pessimism" أيضًا.

10 علامات لكونك محترقةً/محترقًا ذاتيًّا

1- الإرهاق

واحدةٌ من العلامات الواضحة للاحتراق الذّاتيّ هي الشّعور بالتّعب طوال الوقت؛ يمكن أن يكون الإرهاق عاطفيًّا أو فكريًّا أو جسديًّا. هو الشعور بعدم امتلاك أيّ طاقةٍ، وبأنها أُنفِقت بالكامل.

2- فقدان الشّغف

عندما لا تعود/ين تشعر/ين بالحماس تجاه أيّ شيءٍ أو بالدّافع الدّاخليّ لتأديةِ عملك، فهذا دليلٌ قويٌّ أنّك تعاني/ين من الاحتراق الذّاتيّ. قد يظهر ذلك في عدّة صورٍ، مثل أن يصبح بدء اليومِ في الصباح أصعب، ويصعبُ جرُّ نفسك إلى العمل كلّ يومٍ.

3- الشّعور بالإحباط وعدّة مشاعر سلبيّةٍ أخرى

حينما تبدأ/ين بالشّعور أنّ ما تفعله/ينهُ لم يعُد مهمًّا فيما بعد، أو بالشُّعور بخيبة أملٍ تجاه كلّ شيءٍ؛ قد تلاحظ/ي أنّك تشعرُ/ين بالتّشاؤم بشكلٍ عامٍّ أكثر ممّا اعتدّت عليه.

لاحظ/ي أنّه من الوارد جدًّا أن يشعر الجميع ببعضٍ من المشاعر السّلبيّة من الوقت للآخَر، لكن من المهمّ أن تعرفَ/ي متى تُصبح هذه المشاعر غير عاديّةٍ بالنّسبة لك.

4- مشاكل في سهولة الإدراك والتّركيز

قد يتداخل الاحتراقُ الذّاتيُّ والتّوتّرُ المُزمِن مع قدرتك على الانتباه أو التّركيز، حيث يسبّب الشّعور بالتّوتّر قلّة تركيزِنا على أيّة شيءٍ غير العناصر السّلبيّة الّتي نعتبرها تهديدًا أو مسببّةً للمشكلة. على المدى القصير، تساعدُنا هذه الآليّة على التّعامل مع المشكلة المطروحة، لكنّ أجسادنا وأدمغتنا مصمّمةٌ للتّعامل مع هذا في دُفعاتٍ محدودةٍ ثمّ العودة إلى الآليّة الطّبيعيّة؛ وعندما يصبح التّوتّر مُزمنًا يستمرّ هذا التّركيز الضّيّق لفترةٍ طويلةٍ، ممّا يسبّب صعوبةً في الاهتمام بأشياء أخرى، الأمرُ الّذي يؤثّر سلبًا على قدرتِنا على حلّ المشكلات أو اتّخاذ القرارات.

5- هبوط الأداء الوظيفيّ

نظرًا لأنّ الاحتراق الذّاتيّ يميل إلى الحدوث على مدى فترةٍ طويلةٍ من الزّمن، فإنّ مقارنة أداء العمل السّابق لهذهِ الفترة بالأداء خلالها قد يكشف عمّا إذا كنت في ركودٍ مؤقّتٍ سينتهي بسرعة أو تعاني/ن من الاحتراق المُزمِن.

6- زيادة معدّل المشاكل الشّخصيّة في المنزل والعمل

قد يظهر هذا في صورتَين: (أ) ازدياد النّزاعات مع الأشخاص المحيطين بك في المنزل والعمل وغيره. (ب) شعورك الدّائم بالانسحاب من الاختلاط مع ممّن حولك وتجنُّب أيّة نقاشاتٍ أو محادثاتٍ معهنّ/م.

7- عدم الاهتمام بنفسك

عند معاناة الأفراد من الاحتراق الذّاتيّ، ينخرطُ بعضهم في استراتيجيّاتِ وسُبُل تأقلمٍ غير صحّيّةٍ: مثل الإفراط في شرب الكحوليّات أو التّدخين أو الخُمول الشّديد أو تناول الكثير من الوجبات السّريعة أو عدم الحصول على المقدارِ الكافي من النّوم. يعدّ سلوك الأفراد تجاه العلاج الذّاتيّ مشكلةً أخرى، العلاج الذاتيّ الّذي قد يتضمّن اعتماد الأفراد على الحبوب المُنوّمة للنّوم، وشرب المزيد من الكحول في نهاية اليوم للتّخلّص من التّوتّر، أو حتّى شرب المزيد من القهوة لاستدعاء الطّاقة اللّازمةِ لجرِّ نفسك إلى العمل في الصّباح.

8- الانشغال بالعمل ... عندما لا تكونُ/ين في العمل

عدم وجود وقتٍ لنفسك بعد توقُّف المهمّة الفعليّة، وغياب الوقت الّذي تتوقّف/ين فيه عن التّفكير في المهامّ المرتبطة بعملك بالكامل.

9- قلّة الرّضى بشكلٍ عامّ

يظهر هذا في صورة الشّعور بسعادةٍ ورضى أقلّ بحياتك المهنيّة والمنزليّة؛ قد تشعر/ين بعدم الرّضى أو حتّى أنّك عالقٌ/ةٌ عندما يتعلّق الأمر بما يحدث في المنزل أو في الدّوائر من حولك أو في أنشطتك الاجتماعيّة.

10- مشاكل صحّيّة

على مدى فترةٍ طويلةٍ من الزّمن، يمكن أن يؤدّي الإجهاد المُزمن الخطير النّاجم عن الاحتراق الذّاتيّ إلى مشاكلَ صحّيّةٍ حقيقيّةٍ، مثل مشاكل الجهاز الهضميّ وأمراض القلب والاكتئاب والسّمنة.

تيبس (حلول ساخنة)

1- تعامل/ي مع وقت وعمليّة الاسترخاء بجدّيّة

أيًّا كان ما تفضّل/ين أن تقوم/ي به في وقت استرخائِك كالتّأمُّل أو الاستماع للموسيقى أو قراءة الكتب أو المشي أو المقابلات الاجتماعيّة، تعامل/ي مع الأمر على أنّه شيءٌ تستحقّ/ين أن تقوم/ي به ويستحقُّ جزءًا من وقتِك.

2- ابنِ/ي حياةً خارج إطارِ العمل

ابحث/ي عن شيءٍ ما خارج العمل أنت شغوفٌ/ةٌ به وحقًّا يحفّزك، سواءً كان هوايةً أو رياضةً أو أنشطةً مختلفةً، واهتمّ/ي ببناء روتينٍ يتضمّن هذا الشّيء ويجعله عادة.

3- اعزل/ي نفسك عن التّكنولوجيا

في حين أنّ تكنولوجيا الاتّصالات يمكن أن تعزّز الإنتاجيّة في الوقت الحاليّ، فإنّها يمكن أن تسمح أيضًا لضغوط العمل وما يتعلّق به بالتّسرُّب إلى وقت العائلة، ووقت الإجازة والأنشطة الاجتماعيّة. ضع/ي حدودًا، عن طريق إغلاقِ الهواتف المحمولة أثناء حضورك لأيّة نشاطٍ اجتماعيٍّ، وخصّص/ي أوقاتًا معيّنًة للاطّلاع على البريد الإلكترونيّ وتطبيقات التّواصل.

4- احصل/ي على قسطٍ كافٍ من النّوم

تشيرُ الأبحاث إلى أنّ النّوم لأقلّ من ستّ ساعاتٍ في اللّيلة هو عاملٌ رئيسيٌّ للاحتراق الذّاتيّ والإرهاق، ويمكن أن يكون له آثارٌ سلبيّةُ على أداء عملك وإنتاجيّتك؛ والعكس صحيحٌ أيضًا، حيث أنّ النّوم الجيّد يمكن أن يُحسّن ذاكرتك بالفعل.

يتطلّب التّعافي من الإجهاد المُزمن والإرهاق إزالة أو تقليل الضّغط الواقع عليك وتجديد مواردِك، والنّوم هو إحدى الاستراتيجيّات لتجديد هذه الموارد.

5- نظّم/ي حياتَك بشكلٍ أفضل

في كثيرٍ من الأحيان، عندما يشعر الأفرادُ بالاحتراق الذّاتيّ، فإنّهنّ/م يقضون/ينَ الكثير من الوقت في القلق من أنّهنّ/م سينسون/ينَ القيام بشيءٍ ما أو أنّ شيئًا مهمًّا سوف ينزلقُ من بين أيديهنّ/م. كن/كونِي منظمًا/ةً، ابحث/ي كثيرًا داخل رأسك، ضع/ي قائمة مهامٍ، ثمّ حدّد/ي الأولويّات؛ بهذه الطّريقة، لن تضطر/ي إلى الاستمرار في التّفكير في هذه الأشياء لأنّه سيكون لديك أنظمةٌ لتذكيرِك.

6- درّب/ي نفسَك على معرفة حدودك

تأمّل/ي في أدائك الماضي وأدائِك الحاضر، اعرف/ي عن المشاكل الّتي واجهتك في العمل، ادرس/ي أسبابَها، اكتشف/ي متى تعدّت الأمور ما تستحقّ بالنّسبة لك. ابنِ/ي حدودًا لقدراتك، وحدودًا منطقيّةً لمجهودك وقدرتِك الّتي تستطيع/ين استثمارها بالعمل.

ختام


اقرأ أكثر:

Mesahat Foundation