الفكرة إني مش باشوف شخص ميم أو من أي حتة، كلهم زي بعض بالنسبالي، أنا باحاول أتعامل إن إحنا كلنا أفراد عادي. دي مش أفكار اتكوّنت على قد ما اكتسبت معرفة بمجتمع جديد عليَّ، وده طبيعي لأن في العادي انت لما بتقابل ناس جديدة بتبدأ تكتشف قصص مختلفة وبتكتسب خبرات جديدة.
كانت تجربتي أول مرة مع حد من مجتمع الميم مع شخص عادي خالص؛ أنا ماعرفتش ده من الأول، أنا عرفته هو شخصيّاً. كان الحلو فيه إنه متقبّل لده مش بيتعامل مع كونه مثلي إنها حاجة المفروض يخبّيها، أو إنّها حاجة وحشة أو غلط، وده كان مريح ليَّ. أعتقد اني مكنتش هاعرف أتعامل مع شخص لسة مش متقبّل نفسه، أو مش عارفة هاتعامل إزاي. كان حلو إن أول شخص أتعامل معاه فاهم هو فين وإيه وإزاي أو بيحاول يفهم هو إيه من غير ما يتبع نمطيّة معيّنة، كان بيتصرّف عادي بأريحية. إنما لما اتعاملت مع أشخاص تانية ليهم تصرفات غريبة عليَّ، خصوصاً إني باخد وقت على ما أتعامل وأتأقلم، فده خلاني آخد وقت أطول في إني أتعامل معاهم بأريحية.
كون ميولي مختلفة ميخلنيش شخص مختلف. مكنتش حاطّة في دماغي فكرة الفرق ما بيننا، أنا متقبلة الشخص اللي قدامي. انت بتحب تعمل كذا اعمله، وأنا عموما مع الناس كلها كده، انت مقتنع بإيه وانت عايز إيه، اعمله. ماكنتش بافكر أوي في إن اللي قدامي بيعمل إيه، فمكنش الموضوع بالنسبالي عقبة المفروض أتخطّاها عشان أتعامل مع الشخص ده. هارجّع كل حاجه لأصلها، الثورة كانت هي البداية، الثورة جت في وقت وانا صغيرة وبرغم معرفتي إن تأثير الثورة مختلف على كل الناس بمختلف الفئات العمرية والمجتمعية، ممكن في ناس مأثّرتش فيهم أصلاً، إلا إنّ كان ليها تأثير جوهري عليّ، خلتني أفكّر في أنا إيه وهاتعامل إزاي مع ناس مختلفة خصوصاً في وقت كان فيه آراء كتيرة والناس كلها بتتخانق... فبتطرح عندك سؤال إنك هتتعامل معاهم إزاي، هتتعامل إزاي مع الاختلاف بمختلف أسبابه. وبرغم بردو إني كنت قاعدة في قرية فكان احتكاكي قليّل، بس الثورة خلّت عندي نقط واضحة كده؛ أنا إنسان، أنا عندي حقوق، أنا شخص حر وحريتي دي حقي مش منّة، فانا إزاي هاضمن حريتي لو أنا هاكبت حرية حد تاني مختلف عني أياً كان الاختلاف ده إيه. أنا رافضة حد يفرض عليَّ حاجه أنا مش مقتنعة بيها طالما مبأذيش حد، أنا إزاي هاقبل إن حد تاني يحصل فيه ده! خليني أقول بردو إن في المكان اللي أنا كنت قاعدة فيه مكنش فيه كلام أوي عن المثليين بشكل واضح، أول ظهور للموضوع ده كان وائل الإبراشي قبل الثورة وده كان وانا في ابتدائي مثلاً. كان بيتكلم عن حادثة ما وكانوا قاعدين يتكلموا عن إنهم مثليّين وعبدة شيطان واستغفرالله، بس أول ظهور حقيقي بالنسبالي وكان موضوع يعني كان فرقة مشروع ليلى، وده بيبيّن أهمية مشروع ليلى، انت بدأت تسمع ناس بيتكلموا عن حاجه تانية، المشاعر واحدة أياً كان هتوجّهها فين. فكان مثلاً من الكلام اللي بيتقال "إيه ده انتو بتسمعوا مثليين"، فبدأت تظهر فكرة إن هو حر. فكان التأكيد على فكرة، من وانا صغيرة، إن كل إنسان حر طالما مبيؤذيش حد، أنا مضطرة أو مش مضطرة أنا لازم أحافظ على حرية غيري. طول مانا هناك كان وسائل معرفتي عن التعدديات الجنسية والجندرية هو الإنترنت، كان الإنترنت وسيلتي إني أتعامل مع العالم من قريتي، يعني أنا عملت أكونت تويتر وفيسبوك بعد الثورة. والثورة كانت حاجة مهمة جداً لأن بدأ يظهر على الساحة مجتمعات مختلفة، وبدأ يبقي ليهم جمهور، فبدأت الأسئلة.. هما مين؟ طب أنا إيه موقفي منهم؟ هل المفروض يبقي عندي موقف ضد لمجرد إن المجتمع بيقول كده؟... يعني من الحاجات اللي باتبسط بيها في نفسي إني عمري ما قلت على أي فئة أو فعل بشكل قاطع ده غلط أو حرام، كنت لسة باحاول أفهم فكنت على طول سايبة مساحة أعرف مين دول عشان أعرف أدّي حكم. وتكتشف مع الوقت إن انت مش المفروض أصلاً تدّي حكم، انت مين عشان تحكم على حد، انت بس بترجع لنقطة واحدة، إن حد ميؤذيش حد.. الإنترنت كان وسيلتك إنك في قرية بعيدة بس قادر تتواصل مع الناس كلها كأنك معاهم في الحدث، بس بردو كان عندي سؤال أو تخوف إني مؤمنة بحاجات بس مجرّبتهاش على أرض الواقع هتبقي عاملة إزاي، هانفذّها فعلاً ولا لا.
لما جيت القاهرة وبدأ يبقي عندي أصحاب مثليّين اكتشفت إني باطبّق قناعاتي بشكل غير إرادي، من غير ما أفكر أصلاً أو أجبر نفسي. فاكتشفت إن تعاملي معاهم على وسائل التواصل الاجتماعي خلاني قادرة أتعامل معاهم عادي، أنا حتى رافضة كلمة عادي دي.. إيه عادي؟ هما بني آدمين زي أي حد. كنت باحسّ في عيون الناس من مجتمع الميم إني غريبة بالنسبالهم، وده كنت باشوف إنه طبيعي. وجودي لفترة طويلة وانا باتعامل بعيدة عن الواقع خلاني في عالم خيالي شوية. لما جيت القاهرة بدأت أفهم إنهم بيعانوا، فإن يكون مش واثق في اللي برة طبيعي، لأنهم بيقابلوا رفض طول الوقت، فلو حد جه قاله أنا متقبّلاك هيكون صعب إنه يصدق. كنت متقبلة ده، لأنهم ميعرفونيش وده مش بيقابلوه كل يوم. حسيت كذا مرة إنه انتي مين عشان تتكلمي عننا؟ انتي مش مننا أو انتي شخص خارجي، فمليش حق أتكلم عن مشاكلهم؛ بس أنا مش باتكلم عن مشاكلك عشان انت شخصياً تهمني، أنا بشكل أناني باحافظ على حريتي بإني أحافظ على حريتك، اللىي أنا عايزاه إني أكون شخص حر فانت هتكون ضمنياً حر معايا بس.
فكرت أستخدم شغلي كباحثة للشغل على الأقليات الجنسية والجندرية، أنا حتى مش عاوزة أستخدم كلمة أقليات... الفكرة إن فيه ناس لسة مرفوضين من المجتمع وبيتم التعامل معاهم بشكل مش إنساني، فعندي استعداد أشتغل في ده. أنا رافضة فكرة إن مجتمع الميم يقفل على نفسه، إحنا عايشين في مجتمع واحد المفروض نتقبّل بعض. قادرة أتفهّم أسبابهم، إحنا في الآخر بندوّر على التقبُّل فيعملوا مجتمع لأنهم خايفين على نفسهم وعلى بعض. بس لو هنتكلم على القضية وإن يكون فيه تقبُّل مجتمعي، ده بيتطلب انفتاح منهم.
اتكلمت مع بابا عن المثليين، فقلت نفس الكلام اللي قُلته قبل كده، إنه كل واحد حر وهما مبيؤذوش حد في الآخر، زعقلي وقاللي إنهم قوم لوط وإني هاروح النار معاهم. ده موقف مهمّ في تشكيل شخصيتي؛ بابا كان أول مرة يقولهالي بشكل واضح، إنه لا عشان المجتمع، مش عشان ربنا، فاحنا بنخضع للمجتمع أكتر ما بنخضع للحساب والعقاب. برغم إن المواجهة كانت صعبة وصادمة إلا إني لما بافتكر اللي حصل باكون فخورة بنفسي إني دافعت عن اللي أنا مؤمنة بيه، ولأني بابقى خايفة إني أقعد أقول كلام كتير زي إني داعمه للحريات وساعة الجد مش هاتصرّف زي الكلام اللي باقوله.