إيمان

psychologue FS copy.png

إحنا بنحب الأشخاص أو بنتضايق منهم عشان سلوك معيّن بيأثر علينا إحنا، يعني انت بتتعامل معايا بشكل أناني أنا باتضايق من سلوكك ده، لكن حاجة انت بتفضّلها أنا مال أمي، ليه ده يبقى جزء من تقييمنا للأشخاص وحبي للشخص يتوقف على بتفكّر زيي أو مبتفكرش زيي، وبتعتبر ده حاجة مش مظبوطة أو مش منطقية.

 أيام الجامعة حوالين 2003 أو 2004 كان فيه حد من أصحابنا مثلي، أنا مكنتش أعرف من الأول بس قرّبنا من بعض وبقينا أصحاب مقرّبين جداً.. وبعد شوية وقت عرفت إن توجُّهه الجنسي مختلف. أنا كنت شخص متحفظ جداً جداً في الوقت ده وبالنسبالي مكنتش أعرف العالم فيه إيه بني آدمين غير أنا وبس، أدركت وقتها إنه فيه ناس عندها اهتمامات ورغبات مختلفة. حسيت ساعتها إن مافرقش معايا أي حاجة، هو بالنسبالي نفس الشخص، فيه ناس تانية كان بالنسبالها دي حاجة وحشة جداً بشعة، وفيه ناس كانت بتتنمر عليه بسبب كونه مثلي... ساعتها أدركت إني كنت باقول أنا عندي قبول لكل الناس، بس ابتديت أفهم إن ده موجود عندي حقيقي لما بدأت أقابل ناس مش شبهي فعلاً. هنا ده كان بالنسبالي الاختبار، هل انتي فعلاً بتقبلي الناس اللي مش شبهك؟ ولا مجرد شعارات وحركات؟ عشان فيه ناس تانية كنت باشوفهم بيقولوا كلام بس بتيجي على أرض الواقع، الأفعال وردود الأفعال مختلفة. دي بالنسبالي كانت أول تجربة ليَّ مع حد بتوجُّه جنسي مختلف، وفضلنا أصدقاء مقربين لحد ما هو ساب البلد ومشي، لأن في الوقت ده الموضوع كان مأسوي جداً، وهو كان عنده خطط تانية كتير البلد مش هتعرف تتقبّلها يعني.

فضلت معرفش حد بتوجُّهات جنسية مختلفة لحد ما عملت مشروع للعلاج النفسي، وكان فيه واحدة من اللي بيتدربوا عندي جابت حد من صحابها، حد جميل جداً جداً، وبعد ما قعدت معاه حسيت إنه مثلي، حبيته جداً وبشكل أو بآخر حسيت إنه ابني، وابتدا يتعامل معايا بردو على إني مامته وابتدينا نخرج ونتقابل؛ لو متضايق من حاجة يعدّي عليَّ نقعد نتكلم شوية، يكلمني لما يخلص الشغل "تحبّي تقعدي معايا شوية؟"، أوقات بيبقى موجود معاه أصحابه، فابتديت أعرف الجروب كله، وكان الجروب كله بنات وولاد كوير بتفضيلات مختلفة... حاجة ممكن تيجي على بال البني آدم، هل هما هيتقبّلوني؟ زي ما مجتمع الميم بيفكّر، انت هتتقبلني ولا لا؟ أنا كمان كان جوايا نفس السؤال. أنا عارفة إن فلان ده بيحبني خلاص وأسسنا علاقة ما بيننا، بس هل هما هيبقوا متقبّلين إني شخص مغاير باخرج معاهم؟ خصوصاً إن مكانش فيه حد مغاير غيري. لاقيت إن كلهم اتعاملوا معايا عادي جداً، وإن مبيفكروش في الموضوع ده أساساً، عمري ما حسيت إن أنا مختلفة وسطهم. كان عندي إحساس اللي هو "ممكن نعمل المثال ده على مستوى العالم لو سمحتوا؟"... الناس تبقى قاعدة مع بعض مش مهتمة أنا ايه وانت إيه، مش بس على التوجهات الجنسية ولكن حتى على التوجهات الفكرية والسياسية والدينية، على كل الحاجات اللي الناس بتستخدمها بشكل أو بآخر كوسيلة تفرّق بيها بين البني آدمين، أو إن فيه ناس بتنصّب نفسها آلهة عشان تقولك انت المفروض تعمل إيه ومش المفروض تعمل إيه؟ بالنسبالي ده غير مقبول بكل الأشكال... بقوا هما دول الجروب اللي باخرج معاه كل يوم.

بعدين جت واحدة من المختصّين النفسيّين اللي بيشتغلوا معايا في نفس المكان، كلّمتني عن إن فيه حد عاوز ييجي يتكلم إن إحنا نقدم خدمات دعم نفسي للنشطاء من مجتمع الميم، فقولتلها آه بكل سعادة، فعرّفتني على ناشطة من مجتمع الميم وقعدنا اتكلمنا في الموضوع. وده كان بداية إني أبقى جزء من الكوميونيتي نفسه بقى، قبل كده كان مجرد الخروج مع أصحابي والمقابلات ما بيننا ونقعد نعيّط في حضن بعض، لكن إن أنا أعرف إن فيه ناس بتشتغل على ده وناس مهتمة بده كان لما اتعرفت على الناشطة دي.

أعتقد إن أنا طبيعة شخصيتي من وانا طفلة، إنه أنا شخص شايف إنه ملوش دعوة، أنا بافكّر إزاي أفهم الناس أكتر عشان أقدر أراعي اللي حواليَّ أكتر عشان نبقى كلنا قاعدين مرتاحين ومبسوطين مع بعض؛ ده كان بالنسبالي الهدف الأكبر لأي تجمع من البني آدمين. بعد كده مثلاً في المدرسة، كنت شخص دايماً متوحّد مع نفسه، باحب كل الناس، بس دايماً تبص عليَّ في الآخر تلاقيني لوحدي.. ابتدا يحصل مشاكل بين المسلمين والمسيحيّين؛ لما يحصل تصادم ما بينهم كان دايماً بشكل تلقائي حد منهم يجيبني ويحكيلي وإن محتاجين حد يشاركهم شوية حكمة في الوضع، فهو النظام الافتراضي عندي كده، ممكن الناس بتقولها بطريقة كوميدية، بس "Peace and Love" دي مش مفروض تتقال بشكل ساخر خالص، هو "السلام والحب" المفروض يبقى الهدف الأكبر للبشرية، فانا عشان ده كان الهدف بالنسبالي في أي حاجة توصّلني ليه، زي إن الناس تبقى قاعدة مع بعض ومبسوطة مادام محدش داس على ديل حد يبقى انت ملكش حاجة عندي، مادام انت مافترتش على حد تاني يبقى انت في نظري مغلطتش. ده منظوري للعالم مش بس التوجهات الجنسية.

أنا اتربّيت بشكل متحفّظ جداً وفضلت كده فترة طويلة، بس وانا عندي 16 سنة ابتديت أراجع أفكاري وقناعاتي، ده حصل لما قابلت صديقي اللي كنت باحبه جداً؛ واكتشفت إن إحنا مش على نفس الديانة، هو كان لاديني وانا كنت في الوقت ده مسلمة، ده كان بالنسبالي إشارة إني محتاجة أراجع فكرة إنك تورث أفكارك ومعتقداتك. أنا الكون ده هيحاسبني على اجتهادي، إحنا الكائن الوحيد اللي عنده وعي وإدراك على الكوكب، ولو ده اللى بيميّزني عن باقي الكائنات اللي على الكوكب فانا محتاجة أستخدم المخ اللي عندي ده علشان أبقى عملت الواجب اللي عليَّ. أيام الجامعة ده كان التنبيه إني أراجع مع نفسي كل الحاجات اللي طلعت أخدتها زي ما هي، فىي الوقت ده ابتديت أقرا الديانات المختلفة، ابتديت أشوف الحاجات المشتركة بينهم، واكتشفت إن الحاجات الجميلة المشتركة بينهم مش هي دي اللي الناس بتركّز فيها ومش هي دي اللي الناس بتتبعها... الناس بتاخد من كل حتة اللي بيفرّق مش اللي بيجمّع وده كان شيء مؤلم جداً ليَّ. ساعتها ابتديت إني مش عاوزة أعمل أي حاجة من منطلق هذا ما وجدنا عليه أباؤنا، شكلاً وموضوعاً، بعد 17 سنة حجاب، عشان اتربيت في أسرة شايفة إن الحجاب ده واجب عند سن معين عشان نغطي شعرنا، خلعت الحجاب... ابتديت أكسّر كل الحاجات اللي شايفاها تابو، وابدأ من أول وجديد أكتشف العالم وأدعبس يمين وشمال لحد ما أوصل لقناعة بتاعتي أنا، مش مورَّثة. فى الوقت ده كنت كسرت حاجات كتير من اللي متعودة عليها لمجرد إني متعودة عليها مش الحاجات الأصيلة فيَّ، بس اكتشفت إن من الحاجات الاصيلة فيَّ هي "السلام والحب"، لو انت عندك القبول والحب وأخلاق كويسة تتعامل معايا بطريقة جميلة، أي حاجة تانية مش مهمة بالنسبالي.

ابتديت أتداخل مع مجتمعات كتير مافيهاش شبه من بعض، كنت دايماً بالاقي في كل مجتمع الحلو والوحش على تقييمي، اللي هو "انت بتحب اللي حواليك زي ما بتحب نفسك ولا لا؟" زي في أول فيلم My Name Is Khan، لما مامته كانت قاعدة معاه وهو صغير بتقوله "هناك فقط أشخاص جيّدون وأشخاص سيّئون"، شخص هيعاملك حلو وشخص هيعاملك وحش، الشخص ده تفضيلاته إيه مايهمّنيش. بقى كل مجتمع بالنسبالي فيه ناس منه بتسلك سلوكيات حلوة وناس بتسلك سلوكيات مش مناسبة ليَّ، كل المجتمعات بلا استثناء. بقى بالنسبالي التقييم الوحيد للشخص، يتناسب مع أخلاقياتي وطريقة التعامل بتاعتي ولا لا. لو انت شخص بتتعامل بقلب جميل وأبيض وشخص غير مؤذي، انت شخص أحطه فوق دماغي؛ لو انت شخص بتسلك سلوكيات مختلفة عن ده، هاتجنّبك، مش هابقى عاوزة أحتكّ بيك.

لما عملت شير لبوست رامي مالك على سبيل المثال لا الحصر، كان فيه ناس كتير جداً داخلة بتهاجم إني بادعم حاجة شايفينها عيب وحرام. ما نحتفل بشخص اجتهد وبقى متفرّد باللي عمله! الناس كان عندها مشاكل مع الشخصية اللي قدّمها؛ ده واحد عمل دور شخص مثلي إزاي تصقفيله؟ وكانت وجهة نظرهم إني باعلن حاجة بشكل غير مباشر، إن بتبيّني إن معندكيش مشكلة مع حد كونه مثلي أو مثلية، ده بالنسبالي كان تحدي عبيط.

التحدي الحقيقي بالنسبالي كان الأشخاص من مجتمع الميم نفسه اللي بيتنمّروا على بعض بحجة إن هما اتعرّضوا لتنمر من الأفراد المغايرات/ين، فيعملوا كده بحجّة إنهم بيدّوا لبعض مناعة، وأشوف أشخاص جديد بيبدأوا يتواجدوا في مجتمع الميم جايين بميول انتحارية وثقتهم في نفسهم مضروبة، بسبب التنمُّر عليهم من كل حتة. أنا المفروض أراعي مشاعر الآخرين وأراعي إنهم ناس جايين معظمهم مرفوضين في بيوتهم.. واجي أدخل مجتمع الميم ألاقيك بتطلع فيَّ القطط الفطسانة وبتكسّر فى مقاديفي، وبتتريق على شكلي ولوني وطريقتي وتفضيلاتي. ماقدرش أقول إن دي قاعدة عامة، بس لما أشوف اللي بيحصل أصلاً، والناس بتتحالف للدفاع عن فكرة التنمر، دي بالنسبة ليَّ صدمة حضارية، اللي هو انتو متعلّمتوش أي حاجة؟ تجربتكو ووضعكو ملفتوش نظركو إن مفروض منعملش مع بعض كده؟ وطالما دي حاجة كانت بالنسبالكو مؤلمة من مجتمعات المغايرات/ين، فانتو بتطرطشوا أذى على بعض، وتقعدوا تعايروا بعض لدرجة غير قابلة للوصف. لما آجي اشوفك بتعمل في الناس اللي انت كرهت إنه اتعمل فيك، ده علامة استفهام كبيرة جداً.

مكنتش باواجه مشكلة في كوني معالجة نفسية مع مجتمع الميم، في الأول والآخر علم النفس بيشتغل عليك كبني آدم بمختلف أنواع المشاكل والاضطربات النفسية واضطرابات الصدمة وما بعدها. فيه حاجة موجودة جوة وبرة مجتمع الميم بس هي موجودة وسط مجتمع الميم أكتر، إن الناس بتشجّع بعض إنهم يعيشوا دور الضحية مش إنهم يحلوا، فبيعطلوني أنا في الخطة العلاجية؛ إن الجروب اللي حواليك برة يبقى مش عاوزك تبقى أحسن بشكل أو بآخر، فيعملوا كومبو كده ويقعدوا مع بعض ويعزّزوا أفكار مش مظبوطة. أوقات بابقى عاوزة أعملهم طول فترة العلاج فصل قوات، اللي هو فيه ناس معينة عاوزين نبعدهم عن بعض عشان نتحسن أسرع من كده.

وانا باتكلم مع أهلي عن التوجّهات الجنسية المختلفة كنت متخيلة إنهم هيكونوا مخضوضين وكده، لكن لاقيتهم قعدوا يحكولي عن أصحابهم زمان في الجامعة وحاجات من دي، ولما فلانة كانت بتحب فلان وقصة حب مشهورة جداً، اكتشفت إن أهلي برغم إنهم أسرة متحفظة، معندهمش حتة رفض ناس مش شبههنا دي.  الناس اللي مش هوموفوبيك ابتدوا لما يتعاملوا معايا يحسوا بأريحية إنهم يبيّنوا، عشان أنا كنت بابيّن ده عادي عشان مش باحب أعمل ده في الدرا، فممكن بشكل غير مباشر ده يشجع الناس إنهم يبقوا مسالمين أكتر مع مجتمع الميم، ومش شايفين إنها حاجة يخافوا أو يخبوها.

وانا باتكلم مع أهلي عن التوجّهات الجنسية المختلفة كنت متخيلة إنهم هيكونوا مخضوضين وكده، لكن لاقيتهم قعدوا يحكولي عن أصحابهم زمان في الجامعة وحاجات من دي، ولما فلانة كانت بتحب فلان وقصة حب مشهورة جداً، اكتشفت إن أهلي برغم إنهم أسرة متحفظة، معندهمش حتة رفض ناس مش شبههنا دي. الناس اللي مش هوموفوبيك ابتدوا لما يتعاملوا معايا يحسوا بأريحية إنهم يبيّنوا، عشان أنا كنت بابيّن ده عادي عشان مش باحب أعمل ده في الدرا، فممكن بشكل غير مباشر ده يشجع الناس إنهم يبقوا مسالمين أكتر مع مجتمع الميم، ومش شايفين إنها حاجة يخافوا أو يخبوها.


قصص أكتر

Mesahat Foundation