تارا تكتب: ترانس، بايسكشوال، وحاجات تانية


كبنت ترانس، أنا عندي ميول جنسيّة تجاه البنات والولاد، اللي النّاس بتقولّها "بايسكشوال" أو "مزدوجة الميول الجنسية". مبسوطة إني قدرت أكسب هويّتي الّلي أنا حبَّاها وبدأت مرحلة العبور الجنسي، وعارفة إن دي أكتر مرحلة بابقى فيها أنا، مش بس بهويّتي لكن كمان بميولي..

كنت باواجه طول الوقت ضغط إنّي لازم أشرح ميولي وأشرح هويّتي كويس، الأفراد سواءً جوّة مجتمعاتنا الكويريّة أو برّاها مش بيقدروا يفرّقوا بين الميول الجنسيّة والهويّات الجندريّة، وتأثير كل حاجة فيهم على التّانية. الميول الجنسيّة هي ببساطة انجذابك عاطفيًّا أو جنسيًّا للأفراد باختلاف الجندرات بتاعتهم. أمّا الهويّات الجندريّة، فهي الحاجة الّلي بنعرّف بيها نفسنا، إحساسنا تجاه نفسنا وتجاه أجسادنا.

للأسف الثّقافة السّائدة في المجتمع المصري، وعليه المجتمع الكويري لكونه جزء من المجتمع الأكبر بالأساس، بتعمل ربط غريب بين الميول الجنسيّة والهويّات الجندريّة، واللي بيَنتُج عنّه الضّغط الّلي ذكرته في شرح نفسي للأفراد من الدواير المختلفة.

سواءً في دواير البنات اللّيزبيان والكوير أو الولاد الجايز، باحتاج أشرح كلّ ما سبَق؛ أنا هويّتي إيه، وميولي إيه، وإيه الفرق بين الاتنين. كلّ ده استعدادًا للعنصريّة ومحاولات القَولبة الّلي بتتفرض عليَّا كبنت غير نمطيّة الميول والهويّة، بدايةً من مواجهة السؤال "انتي ترانس؟ طب حوّلتي ليه مدام بتحبّي البنات؟ كنتي خليكي ولد!!"، وكأن انجذاب الأفراد لجندر معيّن من الأفراد هو كافي لتحديد هويّتهم الجندريّة! مع العلم إن فيه أفراد ترانس بيكونوا غير منجذبين على الإطلاق جنسيًّا أو حتّى عاطفيًّا لأيّ فرد، وبيكونوا قادرين يحدّدوا هويّتهم الجندريّة بكلّ أريحيّة.

المشكلة الأكبر هي في التّعامل مع الأطبّاء النّفسيّين المختصّين بالانزعاج الجندري، أو اضطراب الهويّة الجندريّة. في مصر، عشان إحنا كأفراد عابرات/ين نقدر نحصل على تقاريرنا الطبّيّة الّلي بتسمَحلِنا باستكمال العبور، وتغيير أوراقنا الرّسميّة، بنحتاج إنّنا نمرّ على متابعة نفسيّة مع واحد من الأخصّائيّين النفسيّين الّلي بيقوم بدوره بتقييمنا نفسيًّا، ويحكُم بكل عنجهيّة إذا كُنّا ذوي أحقيّة للحصول على التّقارير المطلوبة أم لا. واحدة من الحاجات المتكرّرة جدًّا في فترات المتابعة مع الدّكاترة والأخصّائيّين النّفسيّين، هي إنّهم لما يعرفوا عن ميولي وانجذابي للبنات بيعاملُوني على إنّي شاذّة أصلًا، ومحتاجة علاج تصحيحي للشّذوذ، وإنّ التّشخيص بتاعي ممكن يتأخّر، أو إن الدّكتور يُبصّلي بصّة تانية مختلفة مثلًا.

فيما يخُصّ الدّيتينج أو المواعدة، كوني باقابل بنات وولاد طِبقًا لميولي الجنسيّة، بيحُطّني في مشاكل مع الطّرفين. لما باقابل بنات، بيكونوا باصّين ليَّا على إنّي بنت مش كاملة، بسبب إنّي ماعمَلتش العمليّات أو صوتي لسّة مابقاش صوت بنت بالشّكل النّمطي الّلي المجتمع بيفرضُه علينا، وده بيسبّب ديسفوريا وانزعاج علشان همّا حاطّين معايير للبنت الكاملة. أمّا في مجتمع الولاد الكوير، أغلب الوقت همّا بيتعاملوا معايا على أساس إنّي فيتِش بالنّسبالهم، وأداة بس لممارسة الجنس، وتصنيفاتهم ليَّا بتكون إنّي شيميل أو ليدي بوي، مع إن مش ده اللي بيعكس هويّتي كامرأة، وبينتج عنّه مواجهتي لأخطاء كتيرة من جانبهم في الضّماير الصّح الّلي المفروض يتعاملوا بيها معايا، وباكون مضّطرة دايمًا إني أشرحلهم الانزعاج الجندري وعن كوني شخص ترانس.

فكرة الشّرح في حد ذاتها بتكون مرهقة ليّا نفسيًّا، وبجانبها إحساسي من الأساس بالتّوتّر لما باتعرّف على ناس جديدة عشان معظم الوقت مضّطرة أشرح نفسي... فأنا هستغل المساحة الجاية من المقال، وأعرّف النّاس عن الانزعاج الجندري أو الديسفوريا.

كلمة “ديسفوريا” هي مشتقّة من المصطلح اليوناني “ديسفوروس” وتعني الانزعاج أو الصّعوبة، وأيضاً عدم الرّضى وانعدام الشعور بالراحة، وبالتّالي نقدر نعرّف مصطلح “جندر ديسفوريا” على إنّه الشّعور بعدم الرّضى والانزعاج من النّوع الجندري الّلي بينتمي ليه الشخص، حسب تصنيف المجتمع ليه اعتماداً على جنسه المسجّل عند الولادة.

الكوميونيتي في مصر في الوقت الحالي مليان أنواع مختلفة من الوصم والتّمييز والفوبيا تجاه بعضه، وده بيأثّر على سلامتنا وصحّتنا النّفسيّة كجمع، وبيسبّب أذى كتير للأشخاص، خصوصًا إنّ الأفراد بيلاقوا تبريرات لإنّهم يلقوا عنف على الآخرين.. والناجيات/ين من العنف ده مبيكُنش عندهم مساحات كتير يقدروا يلجؤوا ليها، ويهربوا من الأذى الواقع عليهم.

واحدة من سُبل العنف والتّمييز دي هي نظرة الكوميونيتي في العموم للأفراد الباي والبان سيكشوال، الّلي بتكون في كتير من الأوقات نظرة عنصريّة قايمة على فكرة إنّنا مش "بيور" زيّهم، وبتبدأ تطلع منهم عبارات ومصطلحات مليانة باي فوبيا، وأحكام نمطيّة زي إنّي لازم علشان باي فهاعمل سكس مع الولاد والبنات وده هيخلّيني مش قادرة أكون في علاقة مع نفس الشّخص.

فكرة القوالب والمعايير اللي بتتفرض علينا دايمًا من جُوّة المجتمعات الكويريّة أو من المجتمع المصري الأكبر دايمًا بتمنعنا وبتخوّفنا أكتر من إنّنا نكتشف نفسنا على كلّ المستويات، وإن نمارس حريّتنا في تعبيرنا عن نفسنا. القوالب والمعايير بيساعدوا إنّ تحصل حاجات زي التّمييز وتصنيف الناس لبعضها البعض والمجموعات لمجموعات تانية، وبما إنّنا بنعاني كأقليّة من التّمييز من المجتمع الأكبر علينا فالمفترض إن أفعال العُنف دي ماتكُنش ضمن قائمة الأمور الّلي بنمارسها تجاه بعضنا البعض.

في النّهاية، رغم كل ده لاقيت دواير آمنة حواليّا قدرت تتقبّلني، الأشخاص الّلي ماحسّتش إني لازم أشرح نفسي ليهم زي اللي واجهته مع النّاس التّانية، الدّواير اللي بتكون تصرّفاتهم بتوصّل راحة للي قدّامهم وبيتجنّبوا أذيّتهم، وبيبادروا بتقبُّلهم بدون ما يحكموا عليهم.. الدواير الّلي بتدعم اختياراتنا وبتحترمها. نفسي الدواير دي تكتر، ويكون الطّبيعي إننا بنعيش حياتنا وميولنا واحنا مش متوتّرين وخايفين ومنزعجين من أذى ممكن يتسبّبلنا.


مقالات أكثر:

Mesahat Foundation